في كل مره تتصل فيها بالإنترنت فإنك تترك أثراُ ما. في بقعة ما, يقوم أحدهم بحفظه في مكان ما, ومع الوقت يصبح لديه مايكفي للتعرف عليك, وعلى عاداتك, وربما عنوانك واسمك والمأكولات التي تحب تناولها, ومكان تسوقك المفضل, والأخبار التي تقرأها, والرياضات التي تمارسها أو تتابعها, وتوجهك السياسي أو الفكري ونشاطك المدني… والكثير من المعلومات الأخرى. إنها شخصيتك أو شخصياتك الرقمية. وأخطر ما في الأمر أن بعذا من هذه الجهات تمرر بعضا من هذه المعلومات أو الكثير منها لأطراف أخرى لأغراض تجارية. لم تعد الإنترنت إذن كما كانت عليه في التسعينات من القرن الماضي. لم تعد حاسبك حصنا يخفي من تكون. أنت اليوم مكشوف في ساحة تعج بالتقنيات التي ترصد كل حركة تقوم بها وتسجلها.
يترك دخولك إلى الإنترنت, وتصفحك لها, وتسجيل الدخول إلى حساباتك على خدماتها المختلفة ما يعرف بالبصمات الرقمية, وتستخدم المواقع, التي تديرها شركات بالطبع, تلك البصمات لتبني لك شخصية رقمية, تساعدها في توجيه خدماتها وتحسينها لتقدم لك الأفضل, فلا أغراض مشبوهة تماما وراء الكثير من تلك العمليات, لكن خصوصيتك هي حقك المقدس, وهناك من يعتبر هذا التتبع لبصماتك الرقمية انتهاكاً لخصوصيتك. أما السؤال الأهم فهو اين يقف هؤلاء؟ وما الذي يمنعهم من تمرير معلوماتك تلك إلى أطراف أخرى. لا توجد قوانين كونية تحكم الإنترت, ولعل هذا سر قوتها, لكنه أيضا مصدر للقلق.
تقسم البصمات الرقمية إلى نوعين اثنين. منها البصمات التلقائية التي تتركها, ومنها مثلا ما تتركه لدى زيارتك لموقع ما, يقوم هذا الموقع بوضع ملف ارتباط على جهازك ليستطيع التعرف إليك في المرات القادمة, أو عندما تقوم بالبحث عن كلمة ما على موقع بحث كبير مثل غوغل, فيسجل الأخير كل نشاطك ومعلومات عنك تشمل عنوان الاي بي الخاص بك, ونظام التشغيل الذي تستخدمه والمتصفح وأمور أخرى. أما القسم الثاني فهي البصمات التي تتركها جراء فعل متعمد تقوم به بكامل إرادتك, كأن تشارك صورة على فيسبوك وتحدد موقع التقاطها, أو تنشر مقالا على تويتر باسمك الصريح أو تعلق على قصيدة كتبها أحد الأصدقاء على فيسبوك. ما لا يعرفه الكثيرون أن معظم هذه البصمات تصبح ثابتة وغير قابلة للإزالة, فالمعلومات التي تقدمها لم تعود ملكا لك.
تعتمد بصماتك الرقمية التي تتركها على أمور عديدة منها الجهاز الذي تستعمله. فالحواسب المكتبية والمحموله تترك أثاراً اقل بكثير مما تتركه أجهزة الهاتف الذكي والحواسب اللوحية. إن طبيعة عمل هذه الأجهزة, وطبيعة مركزية شبكة الاتصالات الهاتفية التي تعتمد عليها بالاتصال, وطبيعة التطبيقات تتمتع بصلاحيت كثيرة من حيث معرفة موقعك, والوصول إلى محتوى رسائلك وهاتفك عموما, تعني أن البصمات الرقمية التي تتركها تصبح أكثر وفي متناول أطراف قد لاتعرف عنا اي شيء. لكن الطريقة التي أخذت تتطور وفقها الحواسب المكتبية واللوحية تشي بأنها ستتوجه للعمل بطريقة شبيهة بالهواتف الذكية والحواسب اللوحية وهو مو نلاحظه في ويندوز8 حاليا.
في ضوء كل ذلك, هل نستطيع كمستخدمين التحكم ببصماتنا الرقمية على الإنترنت؟
ليس الأمر بالسهولة المطلوبة, فهو بحاجه إلى أن نفكر مليا في ممارساتنا. فقد اعتدنا على التسهيلات الكثيرة التي تقدمها الإنترنت مقابل التخلي عن الكثير من خصوصيتنا، وأصبحت التكنولوجيا جزء من حياتنا اليومية. بدورها, فإن الشركات التي نستخدم خدماتها تركز جهودها على جمع أكبر قدر من المعلومات عن نشاطنا وبناء شخصياتنا الرقمية التي تساعدها في عملها. وعلى أية حال هناك أمور أساسية نستطيع القيام بها للحد من بصماتنا الرقمية والتحكم بها, لكن أمر إزالتها نهائيا يبقى بعيدا عن التحقيق. ما هي تلك الأمور إذن”؟
- عليك أن تعزز فهمك للقضايا الأساسية المتعلقة بخصوصيتك على الإنترنت. عليك توجيه السؤال التالي في كل مرة تقوم بها بنشاط ما على الإنترنت. هل هو مصدر خطر على خصوصيتك أم لا؟
- عليك تبني عادات رقمية صحية:
- إذا كنت تستخدم أكثر من شخصية رقمية كأن يكون لديك حساب فيسبوك خاص وآخر لنشاطك السياسي عليك فصل هذه الشخصيات تمام حتى لا تترك آثارا رقمية متقاطعة يمكن أن تشكف هويتك الحقيقية.
- فكر مليا بما تنشره من معلومات وصور وغيرها فقد يكون ما تشاركه أكثر مما تريد أن يعرف عنك.
- إعمل لتصبح مستخدما متمكنا للأدوات الرقمية التي تستعملها. تعرف على مزاياها وعلى البيانات التي تجمعها عنك وعلى إعدادات الخصوصية لكل منها. معظم هذه الخدمات مصممة بحد أدنى من الخصوصية لكنها تتيح لك أن تتحكم بها إلى حد كبير. أما بالنسبة للتطبيقات الخاصة بالهواتف الذكية فهي أكثر الأدوات مدعاة للحذر, فهي تطلب الوصول إلى الكثير من المعلومات الخاصة بك, كرسائلك, وصورك وجهات الاتصالات والكاميرا, ناهليك عن أن جهاز الهاتف مربتط باسمك وعنوانك الحقيقيين وهي متاحة للتطبيقات أيضا. فكر مليا في الصلاحيات التي تعطيها لها وفيما لو كانت فعلا بحاجة إليها لتقوم بعملها وتجنب كل ما يثير الريبة.
- تعرف وتدرب على استخدام الأدوات التي تساعدك على رفع سوية خصوصيتك على الإنترنت. هناك عدد منها يتوفر مجانا, يمنع المواقع من تتبعلك, ويزودك بالمجهولية اللازمة لإخفاء بعض من نشاطك على الإنترنت.
- استخدم شبكة افتراضية خاصة لتصفح الإنترنت بشكل آمن وخفي.
- استخدم التصفح الخفي للإنترنت من خلال المتصفح (Incognito, stealth, private).
- استخدم بريدا إلكترونيا ثانيا لتسجيل الحسابات ولا تربطه بشخصيتك الحقيقية.
- استخدم إضافات المتصفح مثل Do not Track me والتي تمنع بعض المواقع من تتبعك.
- تعلم كيف تعطل ملفات الإرتباط (cookies) أو تتحكم بها لمنع الشركات من جمع المعلومات عنك من خلال هذه المعرفات.
- قلل من اعتمادك على الهواتف الذكية في الأمور التي تتطلب سوية عالية من الخصوصية.
على الرغم من أن هذه الإجراءات لن تقوم بإخفاء بصماتك الرقمية بشكل كامل, إلا أنها ستقلل منها إلى حد ما, وتمكنك من التحكم بها نسبياً.
للتعرف على المزيد حول السلامة الرقمية, تصفح دليل سلامتك: www.salamatechwiki.org