باتت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بشكل عام أدوات قوية للتواصل والتفاعل، إلا أنها في الوقت ذاته قد أصبحت ساحة لتصاعد ظاهرة انتشار حملات التشهير وتشويه السمعة. تلك الظاهرة التي تستهدف الأفراد والمؤسسات تشكل تهديدًا خطيراً للخصوصية والسمعة، وتؤثر بشكل سلبي على الحياة اليومية والنفسية للأشخاص.
في ظل هذا السياق، يزداد انتشار حملات التشهير وتشويه السمعة بشكل ملحوظ، وتصبح أحيانًا موجهة نحو فئات معينة في المجتمع، مثل طلاب الجامعات. ولاحظنا بشكل خاص تصاعد الهجمات على طالبات الجامعات بشكل ممنهج، مما يعكس تفاقم هذه المشكلة.
إن استهداف طلاب الجامعات بحملات التشهير يمثل تحديًا رقمياً واجتماعيًا يجب معالجته بجدية. فقد يكون لهذه الحملات تأثيرات سلبية على المستوى النفسي والأداء الأكاديمي للطلبة، مما يهدد متابعة المسار التعليمي والمستقبل المهني، ويصل أحياناً لحالات أسوأ تتمثل في عدم قدرة هؤلاء الطلاب أو الطالبات على إكمال مرحلة التعليم الأكاديمي، وفي حالات أشد سوءاً من الممكن أن تدفع الطلبة إلى الانعزال عن المجتمع والابتعاد عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص الهجمات الرقمية الممنهجة التي تتعرض لها الطالبات بغرض التشهير بهن وتشويه سمعتهن.
بداية لتحليل هذه الظاهرة يجب أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: كيف من الممكن أن تتسرب بياناتنا الشخصية والتي قد يستخدمها الأشخاص الذين يقومون بعملية التشهير؟
هناك طرق عدة يمكن أن تتسرب بها البيانات الشخصية، قد يكون من المفاجئ لك أن السبب الرئيسي لتسريب البيانات هو عدم الإلمام الكافي بأهمية حفظ وحماية البيانات الشخصية من الوصول إليها من قبل أشخاص آخرين.
كيف يمكن أن تتسرب بياناتي الشخصية من دون قصد؟
- عدم قفل الشاشة: يعني أن أي شخص يمكنه الوصول إلى محتوى هاتفك دون عناء، على سبيل المثال ترك الهاتف على طاولة في قاعة اجتماع أو تدريب، أو في حال فقدان الجوال أو تركه عند محل الصيانة أو تركه في مكان ما والمغادرة لمدة من الزمن ثم العودة حينها فإن بياناتك الشخصية معرضة بنسبة كبيرة للسرقة والتسريب.
- وضع كلمة سر سهلة التخمين: أو وضع نمط قفل سهل وتقوم برسم هذا النمط دون الانتباه لمن حولك ومن يمكنه معرفة كلمة السر أو نمط القفل، في حال تعرض جهازك للسرقة أو تركت الجهاز لفترة زمنية دون انتباه لمن يمكنه الوصول إلى جهازك فأنت أيضا عرضة لتسريب وسرقة البيانات. لمزيد من المعلومات حول كيفية التعامل مع الحالتين السابقتين يمكنك قراءة المقال التالي ما هي الطريقة الأفضل لقفل شاشة الهاتف المحمول؟
- الاعتماد على محلات الصيانة: أو أشخاص نعتقد أنهم أكثر معرفة بالتكنولوجيا منك لإنشاء حساباتك الشخصية، الحسابات الشخصية تتضمن بياناتك الشخصية والتي في حال سئلت ما هو أهم شيء تمتلكه سارعت بالإجابة “المعلومات التي أحتفظ بها على جوالي”، عندما تعتمد على أشخاص آخرين لإنشاء الحسابات الشخصية فأنت تعرض بياناتك لخطر كبير.
- نشر البيانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي: مشاركة معلومات شخصية حساسة على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعل هذه المعلومات متاحة للآخرين أو مشاركة البيانات الحساسة والخاصة عبر المجموعات بشكل غير مبرر ودون الانتباه لطبيعة العلاقة مع الأشخاص المتواجدين ضمن هذه المجموعات، فربما قد لا ترغب بمشاركة هذه البيانات مع أشخاص معينين, وفاتك ذلك وقت إرسال هذه البيانات، يضاف إلى ذلك إرسال الصور الخاصة بلا مبالاة ودون خشية العواقب لأشخاص قد تسوء العلاقات معهم مستقبلاً، يجب الحذر عند إرسال الصور الخاصة فهي أهم الوسائل المتبعة في عمليات التشهير والاستفادة من المميزات الموجودة ضمن عدة تطبيقات مراسلة والتي تسمح بتحديد مدة مشاهدة الصورة أو مشاهدة الصورة لمرة واحدة وعدم القدرة على الاحتفاظ بنسخة منها عند الطرف المستقبل وتفعيل الحذف التلقائي للرسائل بعد مدة معينة.
- تخزين صور خاصة على ذواكر خارجية ( كرت ذاكرة، فلاشة/ USB، هارد) دون أخذ الاحتياطات اللازمة من قفل لهذه الذواكر أو تشفيرها، أو عدم الاهتمام بإخفائها عن الأشخاص الذين لا يراد لهم الوصول لها، ما يجعلك تحت التهديد في حال الوصول غير المشروع دون أن تنتبه وخاصة أن نسخ البيانات من هذه الذواكر لا يتطلب الوقت الكبير أو المعرفة التقنية العالية، وفي حال الفقدان فأنت تضع نفسك تحت خطر ابتزاز أو تشهير شبه مؤكد في حال وصول هذه الذواكر لأشخاص سيئين. يمكنك قراءة المقال التالي لتتعرف أكثر عن كيفية تشفير المعلومات كيفيّة تنصيب واستخدام برنامج ڤيراكريبت VeraCrypt لتشفير المجلدات و الأقراص الصلبة والمحمولة.
- ترك الهاتف في أماكن عامة مع عدم اخفاء نص الاشعارات التي تصل لجهازك يعرضك لخطر الوصول غير المصرح به إلى بياناتك، كأن تترك هاتفك في القاعات الدرسية لحجز مقعدك أو أن تترك الهاتف في المطعم أو المقهى على الطاولة ويبقى الهاتف لفترة بعيداً عن أنظارك وغيرها من الحالات المشابهة، من الممكن أن يقوم أحد الأشخاص الذي لديه رقمك أو عنوان بريدك الإلكتروني بتفعيل أحد تطبيقات المحادثة التي فعلتها على رقمك لديه لأن لديه وصول لرمز التحقق الذي يصل إليك وكذا تغيير كلمة سر بريدك الإلكتروني ما يمنحه الوصول لبياناتك الشخصية في حال كنت قد فعلت مزامنة البيانات مع بريدك الإلكتروني.
- الثقة المفرطة وغير المبررة بالغرباء على وسائل التواصل الاجتماعي: إحدى الحالات التي تم فيها تسريب بيانات خاصة تمت من خلال حساب مزيف يدعي أنه فتاة ويتواصل مع الفتيات ويبني معهن ثقة من خلال المحادثات الودية ومشاركة الاهتمامات، ويشارك معهن معلومات خاصة زائفة من حياته لفترة زمنية معينة، بعد بناء الثقة تشعر الفتاة بالراحة في التواصل ومشاركة معلومات حساسة أو صور خاصة لتبدأ بعدها رحلة الابتزاز والتشهير، وفي حالات أخرى تقوم فتاة بإرسال طلبات مراسلة عشوائية لفتيات وتبني معهن ثقة بنفس الطريقة حتى يشعر الطرف الآخر بالأريحية لمشاركة صور خاصة لتبدأ بعدها المعاناة، يجب عدم مشاركة بيانات حساسة دون التأكد من هوية الطرف الآخر وتقليل مشاركة البيانات الخاصة مع الأصدقاء الافتراضيين قدر الإمكان.
كما ذكرنا سابقا إن عدم الإلمام الكافي بأهمية حفظ وحماية البيانات الشخصية من الوصول إليها من قبل أشخاص آخرين من أهم أسباب تسريب هذه البيانات إلا أنه ليس السبب الوحيد هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية في الحقيقة عن السبب السابق لأن النتيجة واحدة:
- الضغط على الروابط دون التأكد من مصدرها وفحص محتواها: بعض الروابط قد تتضمن برمجيات خبيثة تتثبت على جهازك دون علمك، وبذلك تتيح للمهاجمين مراقبة نشاطك و الوصول لبياناتك، يجب عليك دائماً فحص الروابط التي تصلك لكي لا تكون ضحية للتجسس عبر البرمجيات الخبيثة. يمكنك معرفة المزيد حول فحص الروابط من خلال كيف نستخدم خدمة فايروس توتال VirusTotal لفحص الملفات والروابط المشبوهة
- رسائل البريد الإلكتروني الاحتيالية: قد تتلقى رسائل أو روابط بريد إلكتروني احتيالية تدعوك إلى تقديم معلوماتك الشخصية أو تسجيل الدخول إلى حساباتك. إذا وقعت في فخ هذه الهجمات، فقد يتم الوصول إلى بياناتك.
- تثبيت تطبيقات غير موثوق بها: تثبيت تطبيقات من مصادر غير موثوقة قد يضعك في خطر في حال وجود برمجيات خبيثة قادرة على سرقة بياناتك, تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي روابط كثيرة لتحميل تطبيقات من مصادر غير معروفة، أكثر التطبيقات رواجاً تطبيقات واتساب المعدلة “واتساب الذهبي” وتطبيقات ألعاب إلكترونية وتطبيقات التنبؤ بالزلازل.
- استخدام كلمة المرور نفسها لحسابات متعددة: في حال تسربت كلمة المرور لأحد الحسابات يؤدي ذلك إلى الوصول إلى بياناتك الشخصية المزامنة على حساباتك الأخرى. يمكنك استخدام أحد برامج إدارة كلمات المرور لتجنب تكرار كلمة المرور لأكثر من حساب، لمزيد من المعلومات يمكنك قراءة ماهي المميزات التي تمنحها برامج إدارة كلمة السر؟
- عدم تحديث البرامج والتطبيقات: عدم تحديث نظام التشغيل والتطبيقات الخاصة بك يمكن أن يؤدي إلى وجود ثغرات أمنية قابلة للاستغلال من قبل المهاجمين للوصول إلى بياناتك.
- استخدام شبكات Wi-Fi العامة: شبكات Wi-Fi العامة قد تكون أقل أمانًا من الشبكات الخاصة، وهذا يمكن أن يسهل عملية اختراق هاتفك إذا لم يكن محميًا بشكل صحيح.
لكي تحصل على أفضل الممارسات التي يُنصح بها لتجنب تسريب بياناتك يمكنك قراءة المقال أساسيات السلامة الرقمية لاستخدام الإنترنت بشكل آمن
أوردنا فيما سبق معظم الأسباب التي تؤدي إلى تسريب البيانات الشخصية والتي تكون مدخلاً في معظم الأحيان لعملية التشهير وتشويه السمعة، سد الثغرات السابقة يساهم في حماية البيانات الشخصية للأفراد، لكن تجدر الإشارة إلى أن جزءاً من عمليات التشهير لا يعتمد على بيانات حساسة أو صور خاصة بل يكتفي المهاجم بذكر اسم الشخص مع تلفيق معلومات مضللة عنه ونشر هذه المعلومات على صفحات تحظى بمتابعة عدد كبير من الأشخاص معتمداً على عدم معرفة معظم هؤلاء الأشخاص بالضحية و مستغلاً لفضول هؤلاء المتابعين وإقبالهم على تصديق الإشاعات والفضائح, كما أن العديد من الصفحات والقنوات على وسائل التواصل الاجتماعي حالياً تعمل بتقنية النسخ واللصق الأمر الذي يفاقم من الكارثة ويزيد الموقف تعقيداً.
لتجنب النتائج السلبية للتشهير وتشويه السمعة يمكن اتباع ما يلي:
- يُنصح بعدم المساهمة في انتشار المعلومات المضللة التي تستهدف مجموعة محددة، والتحقق من مصدر المعلومة.
- التأكد من إعدادات الخصوصية على هاتفك بشكل مستمر.
- تفعيل المساءلة الداخلية من خلال طرح السؤال: من أين حصل هذا الشخص على هذه البيانات؟ و بأي طريقة وصل إليها؟. لأن الإجابة على هذا السؤال مع الأخذ بعين الاعتبار أن نضع أنفسنا مكان الضحية من شأنها أن تغير موقفنا كلياً من الضحية من مشاهد وشامت إلى متعاطف ومساند، كما يجب مراجعة المتابعة لكل الصفحات التي تمتهن نشر الفضائح والتشهير وتشويه السمعة، لأنه بذلك نكون طرفاً مشاركاً في نشر الفضيحة والتشهير بالأشخاص.
- عدم التجاوب مع الجهات التي تقوم بالتشهير أو الابتزاز، وتوثيق المحادثة والتبليغ مباشرة عن الحساب/ الصفحة/المجموعة.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من أصحاب الصفحات والقنوات التي تمتهن التشهير تقوم قبل التشهير بابتزاز الضحايا وطلب مبالغ مالية لقاء عدم النشر وتهديدهم بالفضيحة في حال عدم الاستجابة.
- أخيراً ينصح فريق سلامتك بالإطلاع على سلسلة المواد والأدلة التدريبية التالية، والتي توفر شرح عن الأخبار المضللة، بالإضافة إلى هذا الدليل الخاص بخطوات التعامل مع الابتزاز الالكتروني.
وفي حال واجهتك أية مشكلة رقمية أو تهديد يمكن التواصل مع فريق سلامتك عبر قنواتنا الرسمية على تيليغرام، فيسبوك والبريد الالكتروني الخاص بالمساعدة والدعم التقني.